فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

احتج الجبائي بهذه الآية على أن كلام الله محدث فقال: قوله: {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا} يقتضي أن أمره مفعول، والمخلوق والمصنوع والمفعول واحد، فدل هذا على أن أمر الله مخلوق مصنوع، وهذا في غاية السقوط لأن الأمر في اللغة جاء بمعنى الشأن والطريقة والفعل قال تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] والمراد هاهنا ذاك. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

السؤال الأول:
إلى من يرجع الضمير في قوله: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ}.
الجواب: إلى الوجوه إن أريد الوجهاء أو لأصحاب الوجوه، لأن المعنى من قبل أن نطمس وجوه قوم، أو يرجع إلى الذين أوتوا على طريقة الالتفات.
السؤال الثاني:
قد كان اللعن والطمس حاصلين قبل الوعيد على الفعل فلابد وأن يتحدا.
والجواب: أن لعنه تعالى لهم من بعد هذا الوعيد يكون أزيد تأثيرا في الخزي فيصح ذلك فيه.
السؤال الثالث:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين أُوتُواْ الكتاب} خطاب مشافهة، وقوله: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ} خطاب مغايبة، فكيف يليق أحدهما بالآخر؟
الجواب: منهم من حمل ذلك على طريقة الالتفات كما في قوله تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22] ومنهم من قال: هذا تنبيه على أن التهديد حاصل في غيرهم ممن يكذبون من أبناء جنسهم.
وعندي فيه احتمال آخر: وهو أن اللعن هو الطرد والإبعاد، وذكر البعيد لا يكون إلا بالمغايبة، فلما لعنهم ذكرهم بعبارة الغيبة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الذين أُوتُواْ الكتاب} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إما إلى من حُكِيتْ أحوالُهم وأقوالُهم خاصةً بطريق الالتفاتِ، ووصفُهم تارةً بإيتاء الكتابِ أي التوراةِ وأخرى بإيتاء نصيبٍ منها لتوفية كلَ من المقامَين حقَّه، فإن المقصودَ فيما سبق بيانُ أخذِهم الضلالةَ وإزالةُ ما أُوتوه بمقابلتها بالتحريف، وليس ما أزالوه بذلك كلَّها حتى يوصَفوا بإيتائه، بل هو بعضُها فوُصِفوا بإيتائه، وأما هاهنا فالمقصودُ تأكيدُ إيجابِ الامتثالِ بالأمر الذي يعقُبه والتحذيرُ عن مخالفته من حيث أن الإيمانَ بالمصدَّق موجِبٌ للإيمان بما يصدِّقه، والكفرَ بالثاني مقتضٍ للكفر بالأول قطعًا، ولا ريب في أن المحذورَ عندهم إنما هو لزومُ الكفرِ بالتوراة نفسِها لا ببعضها، وذلك إنما يتحقق بجعل القرآنِ مصدِّقًا لكلها وإن كان مناطُ التصديقِ بعضًا منها ضرورةَ أن مصدِّقَ البعضِ مصدَّقٌ للكل المتضمِّن له حتمًا، وإما إليهم وإلى غيرهم قاطبةً وهو الأظهرُ، وأيًا ما كان فتفصيلُ ما فُصّل لمّا كان من مظانّ إقلاعِ كل من الفريقين عما كانوا عليه من الضلالة عقّب ذلك بالأمر بالمبادرة إلى سلوك محَجّة الهدايةِ مشفوعًا بالوعيد الشديدِ على المخالفة فقال: {آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} من القرآن، عبّر عنه بالموصولِ تشريفًا له بما في حيز الصلةِ وتحقيقًا لكونه من عنده عز وعلا {مُصَدّقًا لّمَا مَعَكُمْ} من التوراة، عبّر عنها بذلك للإيذان بكمالِ وقوفِهم على حقيقة الحالِ فإن المعيَّةَ المستدعِيةَ لدوام تلاوتِها وتكرُّر المراجعةِ إليها من موجبات العثور على ما في تضاعيفها المؤدّي إلى العلم بكون القرآنِ مصدِّقًا لها، ومعنى تصديقِه إياها نزولُه حسبما نُعِتَ لهم فيها أو كونُه موافقًا لها في القصص والمواعيدِ والدعوةِ إلى التوحيد والعدلِ بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحِشِ، وأما ما يتراءى من مخالفته لها في جزئيات الأحكامِ بسبب تفاوتِ الأممِ والأعصارِ فليست بمخالفة في الحقيقة بل هي عينُ الموافقة من حيث أن كلًا منها حقٌّ بالإضافة إلى عصره متضمِّنٌ للحكمة التي عليها يدور فَلَكُ التشريعِ حتى لو تأخر نزولُ المتقدِّم لنزل على وَفق المتأخِّرِ، ولو تقدم نزولُ المتأخرِ لوافق المتقدّمَ قطعًا، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لو كان موسى حيًا لما وسِعَه إلا اتّباعي» {مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا} متعلقٌ بالأمر مفيدٌ للمسارعة إلى الامتثال به والجِدِّ في الانتهاء عن مخالفته بما فيه من الوعيد الشديدِ الواردِ على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه، حيث لم يعلَّقْ وقوعُ المتوعَّدِ به بالمخالفة ولم يصرَّحْ بوقوعه عندها تنبيهًا على أن ذلك أمرٌ محقَّقٌ غنيٌّ عن الإخبار به وأنه على شرف الوقوعِ متوجِّهٌ نحوَ المخاطَبين، وفي تنكير الوجوهِ المفيدِ للتكثير تهويلٌ للخطب وفي إبهامها لطفٌ بالمخاطَبين وحسنُ استدعاءٍ لهم إلى الإيمان، وأصلُ الطمسِ محوُ الآثارِ وإزالةُ الأعلام، أي آمنوا من قبل أن نمحُوَ تخطيطَ صورِها ونزيلَ آثارَها، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نجعلها كخُفّ البعيرِ أو كحافر الدابةِ، وقال قتادة والضحاك: نُعْميها كقوله تعالى: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} وقيل: نجعلها منابتَ الشعرِ كوجوه القِردة.
{فَنَرُدَّهَا على أدبارها} فنجعلَها على هيئة أدبارِها وأقفائِها مطموسةً مثلَها، فالفاءُ للتسبيب أو نُنَكّسَها بعد الطمسِ فنردَّها إلى موضع الأقفاءِ، والأقفاءَ إلى موضعها، وقد اكتُفيَ بذكر أشدِّهما فالفاءُ للتعقيب، وقيل: المرادُ بالوجوه الوجهاءُ على أن الطمْسَ بمعنى مُطلقِ التغييرِ، أي من قبل أن نغيِّرَ أحوالَ وُجَهائِهم فنسلُبَ إقبالَهم ووجاهتَهم ونكسُوَهم صَغارًا وإدبارًا، أو نردَّهم من حيث جاءوا منه، وهي أذرِعاتُ الشام، فالمرادُ بذلك إجلاءُ بني النضيرِ، ولا يخفى أنه لا يساعدُه مقامُ تشديدِ الوعيدِ وتعميمِ التهديدِ للجميع، فالوجهُ ما سبق من الوجوه، وقد اختُلف في أن الوعيدَ هل كان بوقوعه في الدنيا أو في الآخرة؟ فقيل: كان بوقوعه في الدنيا.
ويؤيده ما رُوي أن عبدَ اللَّهِ بنَ سلامٍ رضي الله تعالى عنه لما قدِم من الشام وقد سمع هذه الآيةَ أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتيَ أهلَه فأسلم، وقال: يا رسولَ الله ما كنت أرى أن أصِلَ إليك حتى يتحوّلَ وجهي إلى قفايَ. وفي رواية جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويدُه على وجهه وأسلم وقال ما قال. وكذا ما رُوي أن عمرَ رضي الله عنه قرأ هذه الآيةَ على كعب الأحبارِ، فقال كعبٌ: يا رب آمنتُ يا ربِّ أسلمتُ مخافةَ أن يصيبَه وعيدُها، ثم اختلفوا فقيل: إنه مُنتَظَرٌ بعْدُ، ولابد من طمسٍ في اليهود ومسخٍ، وهو قولُ المبرِّد. وفيه أن انصرافَ العذابِ الموعودِ عن أوائلهم وهم الذين باشروا أسبابَ نزولِه وموجباتِ حلولِه حيث شاهدوا شواهد النبوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فكذبوها وفي التوراة فحرّفوها وأصرُّوا على الكفر والضلالةِ وتعلَّقَ بهم خِطابُ المشافهةِ بالوعيد ثم نزولَه على من وُجد بعد مئاتٍ من السنين من أعقابهم الضالّين بإضلالهم العالَمين بما مهّدوا من قوانين الغِوايةِ بعيدٌ من حكمة الله تعالى العزيزِ الحكيم، وقيل: أو وقوعَه كان مشروطًا بعدمِ الإيمانِ وقد آمن من أحبارهم المذكورانِ وأضرابُهما فلم يقعْ، وفيه أن إسلامَ بعضِهم إن لم يكن سببًا لتأكد نزولِ العذابِ على الباقين لتشديدهم النكيرَ والعِنادَ بعد ازديادِ الحقِّ وضوحًا وقيامِ الحجةِ عليهم بشهادة أماثلِهم العدولِ فلا أقلَّ من ألا يكونَ سببًا لرفعه عنهم، وقيل: كان الوعيدُ بوقوع أحدِ الأمرين كما ينطِقُ به قوله تعالى: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أصحاب السبت} فإن لم يقعِ الأمرُ الأولُ فلا نزاعَ في وقوع الثاني، كيف لا وهم ملعونون بكل لسانٍ في كل زمانٍ، وتفسيرُ اللعن بالمسخ ليس بمقرَّرٍ الْبتّةَ، وأنت خبير بأن المتبادرَ من اللعن المشبَه بلعن أصحابِ السبت هو المسخُ وليس في عطفه على الطمس والردِّ على الأدبارِ شائبةُ دلالةٍ على عدم إرادةِ المسخِ لضرورة أنه تغييرٌ مغايرٌ لما عُطف عليه، على أن المتوعَّدَ به لابد أن يكون أمرًا حادثًا مترتبًا على الوعيد محذورًا عندهم، ليكون مَزْجرةً عن مخالفة الأمرِ ولم يُعهَدْ أنه وقع عليهم لعنٌ بهذا الوصف، إنما الواقعُ عليهم ما تداولته الألسنةُ من اللعن المستمرِّ الذي ألِفُوه وهو بمعزل من صلاحية أن يكونَ حكمًا لهذا الوعيدِ أو مزجرةً للعنيد، وقيل: إنما كان الوعيدُ بوقوع ما ذُكر في الآخرة عند الحشرِ وسيقع فيها لا محالةَ أحدُ الأمرين أو كلاهما على سبيل التوزيعِ، وأما ما روي عن عبد اللَّه بنِ سلامٍ وكعبٍ فمبنيٌّ على الاحتياط اللائقِ بشأنهما.
والحق أن النظمَ الكريمَ ليس بنص في أحد الوجهين، بل المتبادرُ منه بحسب المقامِ هو الأولُ لأنه أدخلُ في الزجر وعليه مبنيٌّ ما روي عن الحَبْرين، لكن لمّا لم يتضِحْ وقوعُه عُلم أن المرادَ هو الثاني، والله تعالى أعلم وأيًا ما كان فلعل السرَّ في تخصيصهم بهذه العقوبةِ من بين العقوباتِ مراعاةُ المشاكلةِ بينهما وبين ما أوجبها من جنايتهم التي هي التحريفُ والتغييرُ والله هو العليمُ الخبير {وَكَانَ أَمْرُ الله} أي ما أمر به كائنًا ما كان أو أمرُه بإيقاع شيءٍ ما من الأشياء {مَفْعُولًا} نافذًا كائنًا لا محالة فيدخُل فيه ما أُوعِدْتم به دخولًا أوليًا، فالجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لما سبق، ووضعُ الاسمِ الجليلِ موضعَ الضميرِ بطريق الالتفاتِ لتربية المهابةِ وتعليلِ الحُكمِ وتقويةِ ما في الاعتراض من الاستقلال. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ}.
نعلم أن كل التشريعات التي جاءت من السماء لا يوجد فيها تضارب؛ فالمشرع واحد. ولن يشرع اليوم شريعة ثم يأتي رسول آخر يشرع شريعة أخرى جديدة. فأصول الاديان كلها التي جاء بها ركب الرسالات واحدة، ولا تختلف إلا في بعض الأحكام التي تتطلبها ظروف العصور، وفي التشريع الواحد تتطور الأحكام وخصوصًا ما يتعلق بالعادات. وما كان الله سبحانه وتعالى الرحيم بعباده يأتي المسألة من المسائل تعرض الناس فيها لعادة فتمكنت منهم تلك العادة، وأصبحت تقودهم أن يفعلوها ثم يأتي لينهيها بكلمة. لم تأت الكلمة الفصل إلا في العقيدة. لكن المسائل التي تحتاج لينهيها بكلمة. لم تأت الكلمة الفصل إلا في العقيدة. لكن المسائل التي تحتاج إلى التعود فالحق يتلطف في أن يخرجها خروجًا ميسورًا، بمعنى أنه يجعلها مرحليات كي لا توجد فجوة الانتقال.
ويمكننا أن نشبه فجوة الانتقال: مثلما يكون هناك من يدخن السجائر، ويصل معدل تدخينه في اليوم مائة سيجارة، فإذا قلنا له: اجعله خمسين سيجارة، ثم ثلاثين، وهكذا، وبذلك نكون قد وزعنا عادته على بعض الزمن، وبدلًا من أن تكون المسافة بين السيجارة والسيجارة عشر دقائق أو نصف ساعة فلنجعلها ساعة فنكون قد كسرنا جزءًا من الاعتياد، وكذلك مرحليات الأمور الاجتماعية التي تنشأ من رتابة التعود.
إن الحق سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ}. فالحق يوضح: لم نأت بحاجة جديدة، بل كلها مما عندكم. قد يقول قائل: ما دامت مما عندهم فما الداعي لها؟. نقول: لأن هناك جديدًا في أقضية العصر التي لم تكن موجودة عندهم، والذي زاد هو معالجة تلك الأقضية الجديدة، ولكن أصل الإيمان موجود بالقرآن المعجز الذي ينزل من السماء؛ بالمعجزة بالتوحيد، والقضايا العقدية، كل هذه لا يوجد فيها خلاف.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} إلزام لهم بالحجة، وتعني: نحن لا نكلمكم بكلام لا تعرفونه؛ لأنه يقول: {مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ} إنّهم يعلمون ما معهم جيدًا، فكان من الواجب أن يقارنوا ويوازنوا ما جاء لهم من جديد على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عندهم، فإن وجدوه مصدقًا لما عندهم فقد انتهت المسألة.
ثم انظر إلى التهديد {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} سبحانه يناديهم: بادروا، كما نقول مثلًا: الحق نفسك وآمن ويقول الحق: {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا}. والطمس هو: المحو. فالشيء الذي طمس هو الذي مُحي بعدما كان شيئًا مميزًا، وكلمة وجوه وردت في القرآن بمعانٍ متعدددة، فتطلق مرة في البدن على ما يواجه وهو الوجه كما في قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106].